سورة آل عمران - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{هنالك} أَيْ: عند ذلك {دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك} أَيْ: من عندك {ذريةً طيبةً} أَيْ: نسلاً مباركاً تقيّاً، فأجاب الله دعوته وبعث إليه الملائكة مبشرين، وهو قوله: {فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلي في المحراب أنَّ الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمة من الله} أَيْ: مُصدِّقاً بعيسى أنَّه روح الله وكلمته، وسُمِّي عيسى كلمة الله؛ لأنَّه حدث عند قوله: {كُنْ} فوقع عليه اسم الكلمة؛ لأنَّه بها كان {وسيداً} وكريماً على ربِّه {وحصوراً} وهو الذي لا يأتي النِّساء ولا أرب له فيهنَّ.
{قال} زكريا لمَّا بُشِّر بالولد: {ربِّ أنى يكون لي غلامٌ} أَيْ: على أيِّ حالٍ يكون ذلك؟ أَتردُّني إلى حال الشَّباب وامرأتي أَمْ مع حال الكبر؟ {وقد بلغني الكبر} أَيْ: بَلغْتُه؛ لأنَّه كان ذلك اليوم ابن عشرين ومائة سنةٍ {وامرأتي عاقر} لا تلد، وكانت بنتَ ثمانٍ وتسعين سنةً. قيل له: {كذلك} أَيْ: مثل ذلك من الأمر، وهو هبة الولد على الكبر يفعل الله ما يشاء، فسبحان مَنْ لا يعجزه شيء، فلمَّا بُشِّر بالولد سأل الله علامةً يعرف بها وقت حمل امرأته، وذلك قوله: {قال رب اجعل لي آية} فقال الله تعالى: {آيتك ألاَّ تكلم الناس ثلاثة أيام} جعل الله تعالى علامة حمل امرأته أَنْ يُمسك لسانه فلا يقدر أنْ يُكلِّم النَّاس ثلاثة أيَّامٍ {إلاَّ رمزاً} أَيْ: إيماءً بالشَّفتين والحاجبين والعينين، وكان مع ذلك يقدر على التَّسبيح وذكر الله، وهو قوله: {واذكر ربك كثيراً وسبِّح} أَيْ: وصَلِّ {بالعشي} وهو آخر النَّهار {والإِبكار} ما بين طلوع الفجر إلى الضُّحى.
{وإذ قالت الملائكة} أَيْ: جبريل عليه السَّلام وحده: {يا مريم إنّ الله اصطفاك} أَيْ: بما لطف لك حتى انقطعت إلى طاعته {وطهرك} من ملامسة الرِّجال والحيض {واصطفاك على نساء العالمين} على عالمي زمانك.
{يا مريم اقنتي لربك} قومي للصَّلاة بين يدي ربكِّ، فقامت حتى سالت قدماها قيحاً {واسجدي واركعي} أَي: ائتي بالرُّكوع والسُّجود، والواو لا تقتضي الترتيب {مع الراكعين} أَي: افعلي كفعلهم، وقال: {مع الراكعين} ولم يقل: مع الرَّاكعات؛ لأنَّه أعمُّ.
{ذلك} أَيْ: ما قصصنا عليك من حديث زكريا ومريم {من أنباء الغيب} أَيْ: من أخباره {نوحيه إليك} أَيْ: نلقيه {وما كنت لديهم} فتعرف ذلك {إذ يلقون أقلامهم} وذلك أنَّ حنَّة لمَّا ولدت مريم أتت بها سدنة بيت المقدس، وقالت لهم: دونكم هذه النَّذيرة، فتنافس فيها الأحبار حتى اقترعوا عليها، فخرجت القرعة لزكريا، فذلك قوله: {إذ يلقون أقلامهم} أَيْ: قداحهم التي كانوا يقترعون بها لينظروا أيُّهم تجب له كفالة مريم.


{إذ قالت الملائكة} يعني: جبريل عليه السَّلام: {يا مريم إنَّ الله يبشرك بكلمة منه} يعني: عيسى عليه السَّلام؛ لأنَّه في ابتداء أمره كان كلمة من الله، وكُوِّن بكلمة منه، أَيْ: من الله {اسمه المسيح} وهو معرَّب من مشيحا بالسِّريانية، لقبٌ لعيسى ثمَّ فَسَّر وبيَّن من هو فقال: {عيسى ابن مريم وجيهاً} أَيْ: ذا جاهٍ وشرفٍ وقدرٍ {في الدنيا والآخرة ومن المقربين} إلى ثواب الله وكرامته.
{ويكلم الناس في المهد} صغيراً {وكهلاً} أَيْ: يتكلَّم بالنُّبوَّة كهلاً. وقيل: بعد نزوله من السَّماء {ومن الصالحين} يريد: مثل موسى ويعقوب وإسحاق وإبراهيم عليهم السِّلام.
{قالت} مريم مُتعجِّبةً: {أنى يكون لي ولد} من غير مسيس بشرٍ؟ {قال كذلك الله يخلق ما يشاء} مثل ذلك من الأمر، وهو خلق الولد من غير مسيس بشرٍ، أَي: الأمر كما تقولين، ولكنَّ الله {إذا قضى أمراً} ذُكر في سورة البقرة إلى آخرها.
{ويعلمه الكتاب} أراد: الكتابة والخطَّ.


وقوله: {ورسولاً إلى بني إسرائيل} أَيْ: ويجعله رسولاً إلى بني إسرائيل {أني} أَيْ: بأنِّي {قد جئتكم بآية من ربكم} وهي {أني أخلق} أَيْ: أُقدِّر وأُصوّر {كهئية الطير} كصورته {وأبرئ الأكمه} وهو الذي وُلد أعمى {والأبرص} أَيْ: الذي به وَضَحٌ أي: بياضٌ {وأُنبئكم بما تأكلون} في غدوكم {وما} كم {تدخرون} لباقي يومكم.
{ومصدِّقاً} أَيْ: وجئتكم مُصدِّقاً {لما بين يدي} أَي: الكتاب الذي أنزل من قبلي {ولأُحلَّ لكم بعض الذي حرّم عليكم} أحلَّ لهم على لسان المسيح لحوم الإِبل، والثُّروب، وأشياء من الطَّير، والحيتان ممَّا كان محرَّماً في شريعة موسى عليه السَّلام {وجئتكم بآية من ربكم} أَيْ: ما كان معه من المعجزات الدَّالَّة على رسالته، ووحَّدَ لأنَّها كلَّها جنسٌ واحدٌ في الدَّلالة.
{فلما أَحسَّ عيسى} علم ورأى {منهم الكفر} وذلك أنَّهم أرادوا قتله حين دعاهم إلى الله تعالى، فاستنصر عليهم، و{قال مَنْ أنصاري إلى الله} أَيْ: مع الله، وفي ذات الله {قال الحواريون} وكانوا قصَّارين يحوّرون الثِّياب، أَيْ: يُبيِّضونها، آمَنوا بعيسى واتَّبعوه: {نحن أنصار الله} أنصار دينه {آمنا بالله واشهد} يا عيسى {بأنا مسلمون} وقوله: {فاكتبنا مع الشاهدين} مع الذين شهدوا للأنبياء بالصِّدق، والمعنى: أَثْبِتْ أسماءنا مع أسمائهم؛ لنفوز بمثل ما فازوا.
{ومكروا} سعوا في قتله بالمكر {ومكر اللَّهُ} جازاهم على مكرهم بإلقاء شبه عيسى على مَنْ دلَّ عليه حتى أُخذ وصُلب {والله خير الماكرين} أفضل المجازين بالسَّيئةِ العقوبةَ، لأنَّه لا أحد أقدر على ذلك منه.
{إذ قال الله يا عيسى} والمعنى: ومكر الله إذ قال الله يا عيسى: {إني متوفيك} أَيْ: قابضك من غير موتٍ وافياً تاماً، أَيْ: لم ينالوا منك شيئاً {ورافعك إليَّ} أَيْ: إلى سمائي ومحل كرامتي، فجعل ذلك رفعاً إليه للتَّفخيم والتَّعظيم، كقوله: {إني ذاهبٌ إلى ربي} وإنَّما ذهب إلى الشَّام، والمعنى: إلى أمر ربِّي {ومطهِّرك من الذين كفروا} أَيْ: مُخرجك من بينهم {وجاعل الذين اتبعوك} وهم أهل الإِسلام من هذه الأمَّة. اتَّبعوا دين المسيح وصدَّقوه بأنَّه رسول الله، فواللَّهِ ما اتَّبعه مَنْ دعاه ربّاً {فوق الذين كفروا} بالبرهان والحُجَّة والعزِّ والغلبة.
{ذلك} أَيْ: ما تقدَّم من النَّبأ عن عيسى ومريم عليهما السَّلام {نتلوه عليك} نخبرك به {من الآيات} أَي: العلامات الدَّالَّة على رسالتك؛ لأنَّها أخبارٌ عن أمورٍ لم يشاهدها ولم يقرأها من كتاب {والذكر الحكيم} أَي: القرآن المحكم من الباطل. وقيل: الحكيم: الحاكم، بمعنى المانع من الكفر والفساد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8